mdardasawi@yahoo.com
في زاوية صغيرة من سوق عمان القديم، جلس ابو أحمد
يراقب بسطته الصغيرة التي تبيع الخضار، وعلامات القلق مرسومة على وجهه. كان صوت
أحد المارة يعلو وهو يناقش مع صديقه آخر أخبار الحكومة والإصلاحات المنتظرة.
"هل
سيتغير شيء حقًا؟"
تساءل في صمت، بينما كان يفكر في ارتفاع الأسعار
الذي بات يثقل كاهله، وفي مستقبل أبنائه الذين يواجهون شبح البطالة.
هذه المشاعر التي تختلج صدور الناس العاديين، مثل
أبو أحمد، ليست إلا انعكاسًا لما يمر به الأردن بأسره.
حكومة جعفر حسان، التي جاءت في وقت يُثقل كاهل
البلاد بأزمات اقتصادية واجتماعية عميقة، أصبحت رمزًا لمفترق الطرق الذي يقف عنده
الأردنيون: إما المضي قدمًا نحو إصلاح حقيقي يعيد الأمل، أو البقاء في دوامة من
التردد والجمود.
ما يجعل هذه الحكومة مختلفة هو التوقيت الحرج
الذي تشكلت فيه. فبين ضغوط اقتصادية خانقة ومطالب شعبية تزداد حدتها يومًا بعد
يوم، وجدت الحكومة نفسها أمام مسؤولية شاقة تتطلب مواجهة تحديات متشابكة. فمن جهة،
هناك حاجة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. ومن جهة
أخرى، هناك تحديث سياسي طال انتظاره، يعيد الثقة المفقودة بين المواطن والدولة.
في هذا السياق، لم يكن تنظيم انتخابات برلمانية
نزيهة مجرد خطوة إجرائية، بل كان حدثًا له أبعاد رمزية عميقة. بالنسبة لأبو أحمد،
وربما لغيره من المواطنين، كانت الانتخابات بمثابة نافذة صغيرة على مستقبل يمكن أن
يكون أكثر شفافية وعدالة. لكنها أيضًا أثارت تساؤلات: هل ستُترجم هذه الانتخابات
إلى سياسات تخدم مصالح المواطن العادي، أم ستظل مجرد نقطة في بحر الكلام الكبير عن
الإصلاح؟
التحديات التي تواجه حكومة جعفر حسان ليست جديدة،
لكنها اليوم أكثر إلحاحًا. الفجوة بين المواطن والمؤسسات الحكومية تعمقت على مدار
عقود من الوعود التي لم تتحقق. الفساد الإداري والمصالح المتجذرة تقف كعقبات أمام
أي تغيير حقيقي. ومع ذلك، فإن هناك شعورًا لدى البعض بأن هذه المرة قد تكون
مختلفة، وأن الأردن لديه فرصة فريدة لتقديم نموذج يُظهر أن الإرادة السياسية
والشجاعة يمكنهما تجاوز المعوقات.
فإن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تُطرح
ليست فقط أرقامًا وتقارير تقدمها الحكومة، بل هي تجربة إنسانية تعيشها كل عائلة
أردنية.
ففي قرية صغيرة في الكرك، يحلم شاب بإيجاد وظيفة
تليق بتعليمه الجامعي.
وفي الزرقاء، تخطط أم لشراء كسوة المدارس
لأبنائها وسط مخاوف من ارتفاع التكاليف. واما في العقبة، يقف محمود، الشاب
الجامعي، متسائلًا كيف تحولت مدينته المليئة بالفرص الاقتصادية إلى مكان لا يجد
فيه مكانًا للعمل. فقد أدرك أن الوظائف في المؤسسات الكبرى تُحجب عن أبناء المدينة
لصالح قادمين من العاصمة عبر شبكات الواسطة والمحسوبيات. هذه القصص اليومية، التي
تتكرر بأشكال مختلفة في أنحاء المملكة، هي التي تجعل التغيير ضرورة ملحة وليست
رفاهية يمكن تأجيلها..
لكن هذه الحكومة، رغم التحديات، ليست محصنة ضد
الانتقادات. يرى البعض أن الإصلاحات، رغم طموحها، تفتقر إلى العمق المطلوب لمعالجة
المشكلات من جذورها. بينما يخشى آخرون أن تؤدي هذه الإصلاحات إلى زيادة الأعباء
على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
ومع ذلك، فإن الخيارات المتاحة تبدو محدودة: إما
مواجهة التحديات بشجاعة، أو الاستسلام لها والبقاء في دائرة التراجع.
في نهاية المطاف، تجربة حكومة جعفر حسان ليست
مجرد اختبار للإصلاحات الاقتصادية والسياسية، بل هي انعكاس لمعركة إنسانية يخوضها
الأردن بأسره. إذا نجحت الحكومة في المضي قدمًا بخطوات عملية وجريئة، فإن أبو أحمد
وأمثاله قد يجدون سببًا جديدًا للأمل.
وإذا
فشلت، فإن الأثر لن يكون على مستوى الأرقام فقط، بل سيُثقل كاهل الأرواح التي كانت
تتطلع إلى مستقبل أفضل.
الأردن اليوم، كما هو حال أبو أحمد، يقف بين
الحلم والواقع، بين الإرادة والخوف. نجاح هذه الحكومة أو فشلها لن يكون مجرد قصة
سياسية، بل قصة إنسانية تحمل بين طياتها آمالًا وآلامًا، وترسم ملامح مستقبل قد
يغير مصير شعب بأسره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق