ما زلنا على قيد الحياة

السبت، 25 يناير 2025

قانون الإدارة المحلية الجديد: هل يُنصف الأشخاص ذوي الإعاقة في التمثيل المحلي؟

بقلم: موسى الدردساوي

mdardasawi@yahoo.com

في زمن يتطلع فيه العالم إلى تعزيز قيم العدالة والمساواة، تبرز قضية الأشخاص ذوي الإعاقة كأحد المعايير الأساسية لقياس تطور المجتمعات. ورغم التقدم الملحوظ في سن القوانين الداعمة لهذه الشريحة، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا:

كيف يمكن تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة ليكونوا شركاء حقيقيين في عملية اتخاذ القرار داخل مؤسسات صناعة القرار المنتخبة، مثل “مجلس النواب” أو “المجالس المحلية”؟

تاريخيًا، عانى الأشخاص ذوو الإعاقة من التهميش في العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك المشاركة في صناعة القرار. ومع أن الأردن كان من أوائل الدول التي شرَّعت قوانين تعترف بحقوقهم، إلا أن تمثيلهم في المجالس النيابية غير موجود، وبالنسبة للمجالس المحلية، لا يزال 

ضعيفًا بشكل يكاد لا يُذكر. 

هذا التمثيل الناقص يؤدي إلى غياب صوتهم عند صياغة التشريعات وتقرير الأولويات التي تؤثر على حياتهم اليومية، مما يكرس فجوة بين احتياجاتهم الحقيقية والسياسات العامة.

وحتى نكون منصفين، يجب ألا نغفل عن وجود من يمثل الأشخاص ذوي الإعاقة في مجلس الأعيان الأردني (مجلس الملك)، كرسالة ملهمة تعكس حكمة جلالة الملك القائد الانسان التي كانت سباقة في تحقيق الدمج والشمولية والانخراط السياسي والاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة.

ويأتي اختيار الأردن شريكًا في استضافة القمة العالمية للإعاقة 2025، برئاسة جلالة الملك عبدالله الثاني، تأكيدًا على الجهود المستمرة التي يبذلها الأردن بقيادة جلالة الملك و سمو ولي العهد الأمير حسين في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم في المجتمع.

ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في ترجمة هذه الرسالة من قبل الحكومات والمشرعين إلى واقع عملي يتجسد في القوانين والسياسات التي تكفل لهم حقوقًا متساوية وفرصًا حقيقية للمشاركة في الحياة السياسية.

هنا تظهر أهمية مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي. إن هذه المبادرة لا تمثل فقط فرصة لإعادة النظر في آليات التمثيل المحلي، بل تشكل أيضًا اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وإشراك كافة شرائح المجتمع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة. إن النصوص التي تضمن تمثيل هذه الشريحة في المجالس المحلية ليست مجرد إضافات تشريعية، بل هي خطوات جوهرية نحو تحقيق مجتمع متوازن وشامل.

إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في مؤسسات صناعة القرار ليس مجرد شعار بل هو حق أساسي. هذه الشراكة تعود بالفائدة على الجميع، حيث تضيف تنوعًا للرؤى وتسهم في إيجاد حلول شاملة للتحديات المجتمعية. فالأشخاص ذوو الإعاقة يحملون خبرات حياتية ومعرفية تمكنهم من تقديم مساهمات مميزة لصنع القرار. ورغم ذلك، لا تزال العديد من القوانين قاصرة عن تحقيق التمثيل العادل للأشخاص ذوي الإعاقة، إذ تُصاغ غالبًا دون إشراكهم بشكل حقيقي.

وفي الإشارة إلى الحوار الوطني الشامل الذي يهدف إلى صياغة قانون الإدارة المحلية الجديد يجب أن تتجاوز كونها إعلانًا إعلاميًا إلى الالتزام العملي بإحداث تغيير ملموس. إن تضمين تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا القانون ليس مجرد خطوة رمزية، بل ضرورة لضمان أن تكون السياسات المستقبلية أكثر شمولاً وعدالة. على سبيل المثال، يمكن تخصيص نسبة محددة من المقاعد في المجالس المحلية للأشخاص ذوي الإعاقة، مع توفير الدعم اللازم لهم للمشاركة الفاعلة.

إن تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة الفاعلة في العمل التشريعي ليس رفاهية، بل ضرورة لبناء مجتمع عادل ومتوازن. ومن خلال إصلاح القوانين، تهيئة البيئات الداعمة، وتغيير الصورة النمطية السلبية، يمكننا أن نضمن لهم مكانًا على طاولة صنع القرار، بما يسهم في تحقيق تطلعاتهم وتعزيز تطور المجتمع ككل.

 إن نجاح هذه الخطوة في قانون الإدارة المحلية سيكون بمثابة نموذج يُحتذى به عند مناقشة قوانين أخرى، مثل قانون الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية، لتكتمل بذلك صورة العدالة الاجتماعية التي ننشدها.

 

 

الثلاثاء، 21 يناير 2025


بقلم: موسى الدردساوي mdardasawi@yahoo.com 

في عالَم الإدارة، يبرز صراع أزلي بين مدرستين فكريتين تتنافسان على تحقيق الأفضلية في قيادة المؤسسات. الأولى تتبنى سياسة "الأبواب المغلقة"، حيث ينأى المسؤول بنفسه عن الانغماس في تفاصيل العمل اليومي، مكتفيًا بالظهور عند وقوع أزمات جسيمة تتطلب تدخله المباشر. والثانية تدعو إلى سياسة "الأبواب المفتوحة"، حيث يكون المسؤول حاضرًا دومًا، يصغي لهموم المواطنين والموظفين، ويتابع حتى أدق المشكلات.

لكن بين النظري والتطبيقي، تكمن المشكلة. في العديد من المؤسسات، تبدو سياسة الأبواب المفتوحة وكأنها واجهة دعائية لا أكثر. تُعلن على لوحات الإعلانات عن مواعيد محددة لاستقبال المواطنين، لكن هذه اللقاءات سرعان ما تتحول إلى روتين ممل، أو يتم تفويضها تدريجيًا إلى مدير المكتب أو السكرتارية. ومع الوقت، يجد المسؤول نفسه غارقًا في أعذار وحجج واهية لتجنب هذه اللقاءات تمامًا، مفضلًا التراجع خلف مكتبه، بعيدًا عن أعين الناس ومشاكلهم.

الغريب أن معظم القضايا التي يُفترض أن تُطرح في هذه اللقاءات ليست معضلات مستحيلة. حفرة في شارع، انقطاع في الكهرباء، أو خط هاتف معطل. قضايا تبدو بسيطة للغاية، لكنها مع مرور الوقت وإهمال الحل تتحول إلى مشاكل أكبر تُثقل كاهل الجميع. حفرة صغيرة لا يتم إصلاحها في الوقت المناسب قد تؤدي إلى تخريب شارع بأكمله. انقطاع مؤقت في الكهرباء قد يصبح عائقًا كبيرًا يترك حيًا بأكمله في ظلام دامس.

المسؤول الذي يبدأ رحلته الإدارية بحماس ونية صادقة لإحداث تغيير حقيقي يجد نفسه في مواجهة جبل متراكم من المشكلات. كل قضية مؤجلة تضاعف الضغط، وكل وعد غير محقق يُنقص من رصيد الثقة بينه وبين الناس. وبينما يتراجع المسؤول خطوة بعد خطوة، تتسع الفجوة بين الإدارة والمواطن، ليصبح الحل بعيد المنال.

إن التحدي الحقيقي لا يكمن في اختيار سياسة الأبواب المفتوحة أو المغلقة، بل في القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة، مدعومة بإرادة صادقة وعمل جاد. المطلوب ليس فقط التواصل مع الناس، بل تحويل هذا التواصل إلى أفعال ملموسة. كل مشكلة تُحلّ في حينها هي خطوة نحو تقليص جبل الأزمات، وكل وعد يُنفّذ يعيد بناء جسور الثقة.

الإدارة ليست مجرد شعارات أو سياسات تُعلن على الورق. هي فن التوازن بين الاستماع والتحرك، بين التحليل والتنفيذ. عندما تغيب الإرادة الحقيقية، يصبح كل شيء، سواء كان باب المكتب مفتوحًا أم مغلقًا، عديم الجدوى. المسؤول القوي هو من يدرك أن المشكلة الصغيرة اليوم هي فرصة لتجنب كارثة الغد، وأن الحلول تبدأ بخطوة صغيرة لكنها ثابتة نحو التغيير الحقيقي.


الاثنين، 20 يناير 2025

عندما يُساء فهم غضب الشارع الأردني… الحقيقة أعمق

بقلم: موسى الدردساوي
mdardasawi@yahoo.com 

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين جدلًا واسعًا عقب تصريحات القيادي في حركة حماس، خليل الحية، التي غيبت الدور الأردني في الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة. هذا الجدل أشعل مشاعر الغضب في الشارع الأردني، ودفعت بعض الأصوات على المنصات الرقمية إلى محاولة تشويه هذا الغضب، واعتباره منة على الأشقاء الفلسطينيين، وهو ما يعكس قراءة مغلوطة لموقف الشعب الأردني الذي طالما كان سندًا لفلسطين.

ما عبّر عنه الأردنيون لم يكن رغبة في الانتقاص من القضية الفلسطينية أو الادعاء بفضل أو منة، بل هو شعور بالخذلان إزاء تهميش واضح لدولة بذلت كل إمكانياتها السياسية والدبلوماسية نصرةً لفلسطين.
فلا يمكن اختزال دور الأردن في القضية الفلسطينية في إطار ضيق كالمساعدات الإنسانية، رغم أهميتها الكبيرة. فقد كانت المملكة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، في مقدمة التحركات الدولية والإقليمية الساعية إلى إنهاء العدوان على غزة وإيقاف نزيف الدم الفلسطيني.

الأردن ليس مجرد دولة تقدم المساعدات، بل هو صوت سياسي فاعل ومؤثر، يدرك أن العدالة لا تتحقق فقط بوقف إطلاق النار، بل بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة. هذا الدور الأردني ينبع من ثوابت تاريخية وقومية، وليس من اعتبارات سياسية ضيقة أو مكاسب إعلامية كما يدعي البعض.

لقد قاد جلالة الملك عبدالله الثاني جهودًا حثيثة على المستويين الدولي والإقليمي، حيث مثل صوت الفلسطينيين في المحافل العالمية، محذرًا من تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة ومؤكدًا ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل.

وفي مختصر الكلام إلى من يحاول التشكيك أو الانتقاص من الدور الأردني: العلاقة بين الأردن وفلسطين أعمق من التصريحات العابرة. إنها علاقة دم ومصير مشترك، قائمة على تاريخ طويل من التضحية والإسناد. لا ينتظر الأردن شكرًا أو اعترافًا، ولكنه لا يقبل التهميش أو التقليل من دوره الريادي.

سيبقى الأردن، ملكًا وقيادةً وشعبًا، في طليعة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، يعمل بحكمة وثبات لتحقيق السلام الذي يعيد الحقوق لأصحابها وينهي معاناة الشعب الفلسطيني. هذه رسالة الأردن التي لن تغيرها الأقاويل أو محاولات التشويه.