mdardasawi@yahoo.com
في عالم يتغير بسرعة هائلة بفعل
الثورة التكنولوجية، بات من الواضح أن الدول التي تستثمر في التكنولوجيا المتقدمة
وتوظفها بفعالية هي التي ترسم معالم المستقبل. الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله
الثاني، وضع نفسه في قلب هذا التحول العالمي، مسلحًا برؤية استراتيجية تهدف إلى
تحويل البلاد إلى مركز إقليمي ودولي للتكنولوجيا، ليس فقط لمواكبة التطورات، ولكن
للمساهمة في تشكيلها.
التاريخ الأردني الحديث في قطاع
التكنولوجيا يعكس استمرارية الالتزام الملكي بهذا المجال كأولوية وطنية. فمنذ
بداية الألفية، شهدت المملكة قفزات نوعية، بدايةً بتأسيس بنية تحتية للاتصالات
تعززت تدريجيًا لتشمل تقنيات متقدمة مثل خدمات الجيل الخامس، وحتى إطلاق مبادرات
ريادية في مجال الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي. رؤية جلالة الملك لم تكن
محصورة بالتحديث التقني فقط، بل ارتبطت بتطوير الإنسان كعنصر أساسي في هذا التحول.
هذا الالتزام تجلى في مبادرات مثل مؤسسة ولي العهد وبرامج التدريب على البرمجة
والمهارات الرقمية للشباب الأردني.
اليوم، مع تكليف جلالة الملك لرئيس
الوزراء الدكتور جعفر حسان بتشكيل مجلس وطني لتكنولوجيا المستقبل، يدخل الأردن
مرحلة جديدة من التخطيط الاستراتيجي الممنهج في هذا القطاع. هذا المجلس يمثل
استجابة واعية للتغيرات المتسارعة عالميًا، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ
من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. يهدف المجلس إلى تعزيز التعاون بين القطاعين
العام والخاص، ووضع خارطة طريق واضحة تستند إلى مؤشرات أداء قابلة للقياس، بما
يضمن استدامة الجهود وتحقيق الأثر المنشود.
التوجهات العالمية اليوم تركز على
مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الحوسبة السحابية، وسلاسل
الكتل (البلوك تشين). هذه الابتكارات لم تعد رفاهية، بل أصبحت أساسية لتحقيق النمو
الاقتصادي وتعزيز السيادة الرقمية. إدراكًا لهذه الحقيقة، يعمل الأردن على
الاستفادة من مزاياه التنافسية، مثل كوادره البشرية المؤهلة التي تجيد اللغات
والتكنولوجيا، وتشريعاته المشجعة للاستثمار في قطاع التكنولوجيا. كما أشار سمو ولي
العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، فإن الأردنيين ليسوا مجرد مستهلكين
للتكنولوجيا، بل مبتكرون ومساهمون فيها، إذ يديرون 27% من الشركات الناشئة الرائدة
في المنطقة، ويشكلون القوة المحركة وراء 75% من المحتوى العربي على الإنترنت.
رغم الإنجازات، فإن التحديات لا تزال
حاضرة. أبرز هذه التحديات يتمثل في الحاجة إلى سد الفجوة الرقمية بين المناطق
المختلفة داخل المملكة، وتعزيز التمويل الموجه للمشاريع الريادية. إضافة إلى ذلك،
فإن المنافسة العالمية تتطلب بيئة تشريعية أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع
التطورات التقنية المتسارعة. ورغم ذلك، فإن هذه التحديات يمكن تحويلها إلى فرص من
خلال رؤية استشرافية وخطوات تنفيذية مدروسة.
على المستوى الدولي، يظهر الأردن
كشريك فاعل في المبادرات التكنولوجية الإقليمية والعالمية. المنتدى الأردني
السنغافوري مثال بارز على قدرة المملكة على بناء شراكات دولية تعزز الابتكار
وتبادل الخبرات. وبالمثل، فإن استثمارات الشركات العالمية في الأردن، مثل "ديلويت"
و"بي دبليو سي"، تعكس الثقة المتزايدة في البنية التحتية الرقمية
والكوادر الأردنية المتميزة.
لكن الأثر الأكبر لهذه الجهود لا
يتوقف عند حدود الاقتصاد. التكنولوجيا أصبحت أداة للتنمية الشاملة، تساهم في تحسين
جودة الحياة، وتعزيز التعليم، وتطوير الرعاية الصحية، وحتى مواجهة التحديات
البيئية. الأردن، برؤيته الطموحة، يسعى لأن يكون نموذجًا يُحتذى به في كيفية
استخدام التكنولوجيا لتحقيق التنمية المستدامة.
رؤية الملك عبدالله الثاني وسمو ولي
العهد الأمير الحسين ليست مجرد خطة لتبني التكنولوجيا، بل هي مشروع وطني لبناء
مستقبل جديد يتجاوز الحدود التقليدية للتنمية. إنها دعوة للشباب الأردني ليكونوا
جزءًا من هذا التحول، وللقطاع الخاص ليشارك في بناء اقتصاد رقمي قوي ومستدام. إنها
أيضًا رسالة للعالم بأن الأردن مستعد ليس فقط لمواكبة الثورة التكنولوجية، بل
لقيادتها نحو آفاق أوسع.
بهذا، يصبح الأردن أكثر من مجرد دولة
تعتمد على التكنولوجيا؛ بل يُرسي نموذجًا للعالم العربي في كيفية دمج التكنولوجيا
في صميم التنمية، محققًا طموحات شعبه ومُرسخًا مكانته كقوة تكنولوجية صاعدة في
المشهد العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق