ما زلنا على قيد الحياة

السبت، 15 يناير 2011

هل الإعاقة مهنـة؟

هل الإعاقة مهنـة؟ 
د. سكينة بن عامر ـ ليبيا

فتحي كان طفلاً يضج حيوية وبهاء، يسابق اقرأنه في المدرسة كي يفوز بالترتيب الاول ويكسب التصفيق والثناء من معلميه، الي أن صدمه سائق متهور فأصيب بشلل رباعي ، ومن يومها أصبح فتحي أسير كرسيه المتحرك، فتغيرت حياته وحياة أسرته كلها، ولم تستوعب المدارس او المراكز وضعه فاستمر في تعلمه بالبيت، ومثله مهجة فهي طفلة ناعمة تشع محبة وود نادرين لا يحس بهما الا من كان له قلب نقي، في حين لا يتفهم كثيرون وضعها لأنها طفلة ذات اعاقة، وهي ممن لديهم متلازمة داون، ورغم كل صعوباتها فقد تحدتها بقلب صادق، وشقت طريقها ووصلت الي الصف السابع بمدرسة عامة مثلها مثل اقرأنها ممن نطلق عليهم لقب الأسوياء، ، فتحي طالب ومهجة طالبة، وهما لا يختلفان عن غيرهم ممن في سنهم سوى في الصعوبات التي تفرضها أوضاعهم واحتياجاتهم الخاصة الناتجة عن إعاقاتهم، لكن كل واحد منهما انسان مثلما انا انسان وانت انسان، وكل واحد منهما طالب يتعلم ويدرس سواء في البيت أم في المدرسة، لكنهما مختلفين عني وعنك وعن كل واحد منكم، فهما موصومان بالإعاقة، ومكتوب علي كل واحد منهما أن يمارس مهنة( معاق) طيلة حياته كما أصرت مصلحة الجوازات بتسجيلهم لديها عندما تكرمت بمنحهم ابسط حق لهم وهو الحصول علي جواز سفر، وهنا وقع الموظف المبجل في حيرة امر من حيرة (حيص بيص) علي رأي أشقائنا في الشام، ولأنه لا يعترف بكون فتحي انسان، ولا يتصور ان تصل مهجة بكل ظروفها لتكون طالبة، ولأنه لا يستعمل عقله بمقدار استعماله للتسويف والمماطلة، فلم يجد مهنة تليق بمهجة وفتحي سوى الاعاقة، لذلك حمل جواز سفر كل منهما صفة ( معاق) في خانة المهنة وكأن الاعاقة مهنة يمارسها من لديه صعوبات وأوضاع خاصة!!!! وحينما تساءلت لماذا لا يسجل في خانة مهنة من يتعايش مع مرض السكر مثلا بانه يمارس مهنة (مريض سكر مزمن) أو ان نمنح من يعاني من متاعب في القلب مهنة (مريض قلب مزمن)!!!!! ليس فتحي او مهجة فقط من يحمل مهنة ( معاق) في جواز سفره، بل كثيرون من أمثالهم ممن مازلنا نعتقد بانهم لا وجود لهم بيننا رغم كل الجهود المضنية التي تقوم بها الجمعيات الوطنية المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة لتوعية المجتمع بحقهم الطبيعي والمشروع في الاندماج والمشاركة والتمكين، وإعادة تكوين مفاهيم ومدركات انسانية جديدة تساعد في تنمية الوعي العام بقضاياهم، وتعديل اتجاهات المجتمع نحو تعامل أفراده مع الفئات الخاصة والمهمشة في المجتمع سواء أن كانوا مثل فتحي ومهجة، او كانوا من الاطفال ذوي الأوضاع الخاصة كالمصابين بالايدز والأمراض المزمنة والأيتام والمسنين المهجورين وما اليهم من فئات نهمشهم ونستكثر عليهم حقوقهم ونتناسى إنسانيتهم وقدراتهم، كم نحن في حاجة الي تحسين الصورة الذهنية السلبية حول هذه الفئات المهمشة كي نحفظ لهم حقوقهم، ونساندهم ونهيئ المجتمع لتقبلهم وتمكينهم من تلك الحقوق بتيسير ارتيادهم للاماكن العامة، وتهيئة مكان العمل والدراسة والتعلم كي يسهل عليهم ارتيادها، وحتى لا يكونوا مثل فتحي يفرض عليهم التعلم داخل بيوتهم لعدم ملائمة المدارس العامة لانتقاله، ولعدم ملائمة مراكز إعادة التأهيل لأوضاعه، كم نحن في حاجة الي مشروع وطني يهدف الي تبني قضايا الاندماج والمشاركة والتمكين من الحقوق، كي لا يقول لنا أبناءنا ممن لديهم أوضاع خاصة كما قالت تلك الفتاة الموصومة بالإعاقة لمراسل قناة الجزيرة في الاحتفالات السنوية باليوم العالمي للمعاقين العام الماضي (أنتم تقفلون عالمكم عنا، كما نحن نقفل عالمنا عنكم، فنحن لا نرى لنا حضوراً في وسائل الإعلام، ولا نرى صوراً أو تمثيلاً لنا فيها، نحن نعتقد بأننا لسنا جزءا من هذا المجتمع، ولا أنتم تروننا جزء منه)، فكانت هذه العبارات اصدق تعبير عن علاقة التقاطع القائمة بين المجتمع وبين المعاقين، وهي المبرر الذي يستند عليه ذلك الموظف الذي سجل مهنة فتحي (معاق) في جواز سفره ليحمل معه هذه الوصمة أينما حل.

ليست هناك تعليقات: