بقلم: موسى الدردساوي
انتخابات نقابة المهندسين الأردنيين في النصف الأول من شهر شباط تُطرح
تساؤلات جوهرية حول مستقبل النقابة ورؤيتها المهنية، إذ أصبحت العملية الانتخابية
ساحة للمنافسة على النفوذ تجمع بين التطورات المهنية والتوجهات السياسية. هذا
التداخل الذي يثير قلق البعض، خاصةً مع اعتبار التجديد القيادي ضرورة ملحّة لتطوير
المهنة ومواجهة التحديات الاقتصادية والتقنية التي تعصف بقطاع الهندسة في الأردن.
يظهر تدخل بعض الجهات بالإضافة الى بعض التيارات السياسية في الانتخابات كوسيلة
لفرض أجندات حزبية قد لا تتوافق مع متطلبات العمل النقابي الحقيقية، مما يستدعي
تأملاً جاداً في الحفاظ على استقلالية النقابة كمؤسسة مهنية تسعى لتحقيق مصالح
أعضائها على أساس الكفاءة والخبرة وليس على ضوء الانتماءات السياسية.
وقد حدد مجلس النقابة مواعيد إجراء الانتخابات وفق نظام دقيق يشمل
انتخابات مجالس الفروع ومجالس الشعب الهندسية، تليها مراحل لاحقة تشمل انتخابات مجلس
النقابة، وهو ما يعكس حرص الهيئات الإدارية على تنظيم العملية الانتخابية بما يضمن
نزاهتها وشفافيتها.
ومع ذلك، يبقى التدخل السياسي عاملًا مثيرًا للقلق، إذ يسعى بعض
الأطراف إلى استغلال هذه العملية لترسيخ نفوذها داخل مؤسسات كان ينبغي أن تبقى
محايدة عن النزاعات الحزبية.
وفي هذا السياق، يحذر الخبراء من أن خلط الأهداف المهنية بالمصالح
الحزبية قد يؤدي إلى تغيير معالم النقابة بشكل يخدم توجهات سياسية ضيقة، مما يؤثر
سلباً على جودة الخدمات المقدمة للمهندسين وعلى قدرة النقابة في الدفاع عن حقوقها
ومصالحها المهنية في مواجهة التحديات المتزايدة مع المطالبة بالعودة الى اعتماد
القائمة النسبية المفتوحة لانتخابات الفروع والشعب والهيئة المركزية للمهندسين
وتستند هذه المخاوف إلى تجارب تاريخية تُظهر بوضوح كيف أدت محاولات
بعض الأحزاب السياسية إلى فرض سيطرتها على هيكل النقابة، مما أسفر عن نتائج سلبية
تترجم إلى انتكاسات مالية وإدارية كبيرة. فمن المعروف أن بعض التيارات الحزبية
استغلت نفوذها للتدخل في شؤون النقابات المهنية، الأمر الذي أدى إلى سوء إدارة
الموارد، مما حول النقابة من مؤسسة تهدف إلى خدمة مصالح أعضائها إلى أداة لتحقيق
مكاسب سياسية ضيقة.
وفي بعض الحالات، أثبتت هذه التدخلات فشلها؛ فقد شهدت بعض فروع
النقابة انهيارات مالية وتراكم ديون، كما أدت إلى تعطيل الإجراءات الإدارية
الأساسية التي كان من شأنها تحسين أداء النقابة وتعزيز حقوق المهندسين.
إن هذه التجارب التاريخية تُعد درساً مهماً وحافزاً لإعادة النظر في
أهمية الفصل بين السياسة والمهنية، إذ يجب أن تظل النقابة مؤسسة مستقلة تعمل على
تطوير بيئة العمل وتحسين أداء أعضائها دون أن يتداخل فيها التأثير الحزبي.
وفي ظل الظروف التنظيمية الدقيقة وإجراءات استقبال طلبات الترشح التي
تضمن استيفاء المتقدمين للخبرة المهنية المطلوبة، يواجه القائمون على تنظيم
الانتخابات تحدياً مزدوجاً يتمثل في تحقيق التوازن بين تجديد القيادة المهنية
ومكافحة محاولات استغلال العملية الانتخابية لتحقيق مكاسب حزبية. وفي هذا الإطار،
تبرز أهمية اعتماد آليات رقابية وإدارية صارمة تضمن نزاهة التصويت والفرز، وتحافظ
على المسار النبيل للعمل النقابي في مواجهة التحديات الاقتصادية والتقنية.
إن حماية النقابة من التدخلات الحزبية لا تعني إنكار الدور السياسي في
الحياة العامة، بل تؤكد على ضرورة أن تظل النقابة مؤسسة مهنية تهدف أولاً وقبل كل
شيء إلى تعزيز مستوى الأداء والإبداع بين المهندسين، وتقديم الدعم اللازم لتطوير
بيئة العمل بما يتماشى مع متطلبات العصر وتحدياته.
ومن هنا، تُعتبر هذه العملية الانتخابية دعوة لكل الأطراف المعنية،
سواء من داخل النقابة أو خارجها، إلى إعادة النظر في أهمية الفصل بين السياسة
والمهنية، لضمان أن تظل النقابة قادرة على أداء دورها الأساسي في الدفاع عن حقوق
المهندسين وتطوير مهنة الهندسة في الأردن.