ما زلنا على قيد الحياة

الأربعاء، 5 فبراير 2025

أجندات حزبية أم تطلعات مهنية؟ الانتخابات القادمة لنقابة المهندسين في قلب الصراع

بقلم: موسى الدردساوي

mdardasawi@yahoo.com

انتخابات نقابة المهندسين الأردنيين في النصف الأول من شهر شباط تُطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النقابة ورؤيتها المهنية، إذ أصبحت العملية الانتخابية ساحة للمنافسة على النفوذ تجمع بين التطورات المهنية والتوجهات السياسية. هذا التداخل الذي يثير قلق البعض، خاصةً مع اعتبار التجديد القيادي ضرورة ملحّة لتطوير المهنة ومواجهة التحديات الاقتصادية والتقنية التي تعصف بقطاع الهندسة في الأردن. يظهر تدخل بعض الجهات بالإضافة الى بعض التيارات السياسية في الانتخابات كوسيلة لفرض أجندات حزبية قد لا تتوافق مع متطلبات العمل النقابي الحقيقية، مما يستدعي تأملاً جاداً في الحفاظ على استقلالية النقابة كمؤسسة مهنية تسعى لتحقيق مصالح أعضائها على أساس الكفاءة والخبرة وليس على ضوء الانتماءات السياسية.

وقد حدد مجلس النقابة مواعيد إجراء الانتخابات وفق نظام دقيق يشمل انتخابات مجالس الفروع ومجالس الشعب الهندسية، تليها مراحل لاحقة تشمل انتخابات مجلس النقابة، وهو ما يعكس حرص الهيئات الإدارية على تنظيم العملية الانتخابية بما يضمن نزاهتها وشفافيتها.

ومع ذلك، يبقى التدخل السياسي عاملًا مثيرًا للقلق، إذ يسعى بعض الأطراف إلى استغلال هذه العملية لترسيخ نفوذها داخل مؤسسات كان ينبغي أن تبقى محايدة عن النزاعات الحزبية.

وفي هذا السياق، يحذر الخبراء من أن خلط الأهداف المهنية بالمصالح الحزبية قد يؤدي إلى تغيير معالم النقابة بشكل يخدم توجهات سياسية ضيقة، مما يؤثر سلباً على جودة الخدمات المقدمة للمهندسين وعلى قدرة النقابة في الدفاع عن حقوقها ومصالحها المهنية في مواجهة التحديات المتزايدة مع المطالبة بالعودة الى اعتماد القائمة النسبية المفتوحة لانتخابات الفروع والشعب والهيئة المركزية للمهندسين

وتستند هذه المخاوف إلى تجارب تاريخية تُظهر بوضوح كيف أدت محاولات بعض الأحزاب السياسية إلى فرض سيطرتها على هيكل النقابة، مما أسفر عن نتائج سلبية تترجم إلى انتكاسات مالية وإدارية كبيرة. فمن المعروف أن بعض التيارات الحزبية استغلت نفوذها للتدخل في شؤون النقابات المهنية، الأمر الذي أدى إلى سوء إدارة الموارد، مما حول النقابة من مؤسسة تهدف إلى خدمة مصالح أعضائها إلى أداة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

وفي بعض الحالات، أثبتت هذه التدخلات فشلها؛ فقد شهدت بعض فروع النقابة انهيارات مالية وتراكم ديون، كما أدت إلى تعطيل الإجراءات الإدارية الأساسية التي كان من شأنها تحسين أداء النقابة وتعزيز حقوق المهندسين.

إن هذه التجارب التاريخية تُعد درساً مهماً وحافزاً لإعادة النظر في أهمية الفصل بين السياسة والمهنية، إذ يجب أن تظل النقابة مؤسسة مستقلة تعمل على تطوير بيئة العمل وتحسين أداء أعضائها دون أن يتداخل فيها التأثير الحزبي.

وفي ظل الظروف التنظيمية الدقيقة وإجراءات استقبال طلبات الترشح التي تضمن استيفاء المتقدمين للخبرة المهنية المطلوبة، يواجه القائمون على تنظيم الانتخابات تحدياً مزدوجاً يتمثل في تحقيق التوازن بين تجديد القيادة المهنية ومكافحة محاولات استغلال العملية الانتخابية لتحقيق مكاسب حزبية. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية اعتماد آليات رقابية وإدارية صارمة تضمن نزاهة التصويت والفرز، وتحافظ على المسار النبيل للعمل النقابي في مواجهة التحديات الاقتصادية والتقنية.

إن حماية النقابة من التدخلات الحزبية لا تعني إنكار الدور السياسي في الحياة العامة، بل تؤكد على ضرورة أن تظل النقابة مؤسسة مهنية تهدف أولاً وقبل كل شيء إلى تعزيز مستوى الأداء والإبداع بين المهندسين، وتقديم الدعم اللازم لتطوير بيئة العمل بما يتماشى مع متطلبات العصر وتحدياته.

ومن هنا، تُعتبر هذه العملية الانتخابية دعوة لكل الأطراف المعنية، سواء من داخل النقابة أو خارجها، إلى إعادة النظر في أهمية الفصل بين السياسة والمهنية، لضمان أن تظل النقابة قادرة على أداء دورها الأساسي في الدفاع عن حقوق المهندسين وتطوير مهنة الهندسة في الأردن.

 


قائدٌ يُضيء درب الأمة بقلب الأب وإرادة الحاكم

بقلم: موسى الدردساوي

mdardasawi@yahoo.com

في الثلاثين من كانون الثاني، يتوهّج قلب الأردن بنبضات الفرح والاعتزاز، إذ يحمل هذا اليوم عبق التاريخ ورائحة الأرض التي شهدت ميلاد قائد استثنائي.

عيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ليس مجرّد مناسبةٍ عابرةٍ في الروزنامة، بل هو محطةٌ سنوية تتجدد فيها معاني الولاء والانتماء، وتتعالى فيها أصوات الحب والدعاء لقائدٍ أخلص لوطنه وأمته.

في ذلك اليوم من عام 1962، كان الأردن على موعدٍ مع الأمل حين وُلد عبدالله، الوريث الشرعي للإرث الهاشمي الذي يمتد كالنهر بين ضفتي العروبة والإسلام.

ومنذ تلك اللحظة، كان المستقبل يخطّ بمدادٍ من نور سيرة قائدٍ وُلد ليحمل الأمانة الثقيلة، ولينمو في قلب الشعب وبين أبنائه كواحدٍ منهم، يعيش آمالهم وآلامهم، يشاركهم الأحلام ويقاسمهم الأوجاع.

لقد كانت كلمات المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في لحظة ميلاد جلالة الملك عبدالله، أشبه بنبوءةٍ صادقةٍ رسمت ملامح المستقبل. قالها الأب بفخر: “ولسوف يكبر عبدالله ويترعرع في صفوفكم وبين إخوته وأخواته… وسيعرف كيف يكون كأبيه، الخادم المخلص لهذه الأسرة، والجندي الأمين في جيش العروبة والإسلام.” وها نحن اليوم، بعد عقودٍ من تلك اللحظة المهيبة، نشهد تحقق هذه الكلمات في مسيرة قائدٍ جمع بين الحكمة والقوة، وبين الحزم والرحمة.

منذ توليه العرش عام 1999، أثبت جلالة الملك عبدالله الثاني أنه قائدٌ بحجم التحديات، رجلٌ لا يعرف التردد حين يتعلق الأمر بمصلحة شعبه وأمته. حمل قضايا وطنه في المحافل الدولية، ودافع عن الحق الفلسطيني بوصفه قضية الأمة المركزية. قاد بلاده في أحلك الظروف، في زمن التحولات الكبرى والإقليم الملتهب، مُتمسكًا بثوابت الأردن الراسخة ومُوجّهًا بوصلة الوطن نحو الأمن والاستقرار.

ولكن ما يميز جلالة الملك عبدالله الثاني ليس فقط حنكته السياسية وقيادته الرشيدة، بل قلبه الكبير الذي ينبض بحب كل أردني وأردنية. فهو القائد الذي لا يفوته أن يعزّي في مصابٍ أو يهنّئ في مناسبة، يزور بيتًا في قرية نائية، أو يجلس مع شبابٍ وشاباتٍ يخطّون أحلامهم. إنه القائد القريب من شعبه، الذي لا تغريه أبراج السلطة عن السكن في قلوب الأردنيين.

في عيد ميلاده الثالث والستين، نقف جميعًا إجلالًا واحترامًا لقائدٍ علّمنا أن القيادة ليست لقبًا، بل التزامٌ ومسؤولية. في هذا اليوم، نتوجه إلى الله بالدعاء أن يمدّ في عمر جلالة الملك عبدالله الثاني ويديم عليه الصحة والعافية، ليظل راعيًا لمسيرة البناء والعطاء..

في عيد ميلادك، يا صاحب الجلالة، لا نملك إلا أن نقف احترامًا لإرادتك التي صنعت من هذا الوطن درةً نادرةً في محيطٍ مضطرب، ولقلبك الذي وسع كل أبناء الأردن. نسأل الله أن يمدّ في عمرك، وأن يبقى الأردن بهديك وطنًا للأمل، كما أرادَه الهاشميون منذ مئة عام.

عاش الأردن.. عاش الهاشميون.. وعاش الملك عبدالله الثاني، قائدًا يُضيء الدرب بأملٍ لا ينضب

 

ثبات أردني تاريخي رداً على محاولات العبث بالقضية الفلسطينية: لاءات الملك خطوط حمراء لا تُمس


 بقلم: موسى الدردساوي

mdardasawi@yahoo.com

في تصريح استفزازي وغير واقعي، أشار ترامب إلى إمكانية تهجير أكثر من مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى الأردن ومصر كجزء من “حل” للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذا الطرح لم يكن مجرد اقتراح عابر، بل اعتُبر محاولة لإحياء مشاريع قديمة تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر نقل العبء السياسي والإنساني إلى دول الجوار.

الأردن، الذي لطالما اعتبر القضية الفلسطينية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين والحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية جزءًا لا يتجزأ من هويته الوطنية ووجدانه الشعبي، ولم يكن يومًا متفرجًا على معاناة الفلسطينيين.

منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، كان الموقف الأردني ثابتًا وواضحًا، يرتكز على دعم الحقوق الفلسطينية المشروعة والرفض القاطع لأي حديث عن التوطين أو الوطن البديل ورغم الضغوط التي تعرض لها عبر العقود الماضية، ظل الأردن، بقيادته الهاشمية وشعبه، متماسكًا وصامدًا.

اللاءات الثلاث التي رسخها جلالة الملك عبد الله الثاني: لا للتوطين، لا للوطن البديل، ولا للتنازل عن القدس، لم تكن شعارات فارغة، بل خطوط حمراء تجسد موقفًا وطنيًا وسياسيًا يستند إلى إرث تاريخي ووعي شعبي لا يقبل المساومة. هذه الثوابت ليست فقط درعًا يحمي الهوية الوطنية الأردنية، بل هي أيضًا رسالة واضحة لكل من يحاول العبث بأمن الأردن واستقراره.

الأردن، الذي فتح أبوابه للاجئين الفلسطينيين عبر العقود، لم يتعامل معهم كأعباء بل كجزء من نضال مشترك لتحقيق العدالة.

 ومع ذلك، فإن أي محاولة لاستغلال هذا التاريخ الإنساني والسياسي لفرض حلول غير عادلة لن تجد لها مكانًا في الوجدان الأردني وتصطدم بجدار صلب من الرفض الأردني، الذي يتكاتف فيه الشعب مع القيادة.

الشعب الأردني، الذي يدرك أن الحفاظ على حقوق الفلسطينيين هو جزء من الدفاع عن سيادته واستقراره، يقف صفًا واحدًا مع قيادته في رفض كل ما يمس وحدة الأردن وهويته وفي الوقت ذاته، يستمر في رفع راية العدل والشرعية الدولية، مطالبًا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران67 وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار ذلك السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل.

وان محاولات زرع الفتنة بين الشعبين الأردني والفلسطيني أو التشكيك في مواقف الأردن ستبوء بالفشل فالرد الأردني على هذه المحاولات دائمًا يكون بالمزيد من الوحدة والثبات على المبادئ التي شكلت عبر تاريخه درعًا حصينًا للقضية الفلسطينية، وسيبقى كذلك، رغم كل التحديات والمؤامرات.

في النهاية، يبقى الأردن، بقيادته الهاشمية الحكيمة وشعبه الواعي، رمزًا للثبات على المبادئ الوطنية والقومية والتصريحات التي تتناول قضايا تهجير الفلسطينيين، مهما كانت استفزازية، لن تغير من حقيقة أن الأردن كان وسيظل شريكًا للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع.

هذه رسالة واضحة لكل من يحاول العبث باستقرار المنطقة: الأردن أقوى بوحدته، وشعبه وأكثر إصرارًا على الحفاظ على حقوقه وهويته، رافعًا راية الكرامة الوطنية فوق كل اعتبار.


السبت، 25 يناير 2025

قانون الإدارة المحلية الجديد: هل يُنصف الأشخاص ذوي الإعاقة في التمثيل المحلي؟

بقلم: موسى الدردساوي

mdardasawi@yahoo.com

في زمن يتطلع فيه العالم إلى تعزيز قيم العدالة والمساواة، تبرز قضية الأشخاص ذوي الإعاقة كأحد المعايير الأساسية لقياس تطور المجتمعات. ورغم التقدم الملحوظ في سن القوانين الداعمة لهذه الشريحة، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا:

كيف يمكن تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة ليكونوا شركاء حقيقيين في عملية اتخاذ القرار داخل مؤسسات صناعة القرار المنتخبة، مثل “مجلس النواب” أو “المجالس المحلية”؟

تاريخيًا، عانى الأشخاص ذوو الإعاقة من التهميش في العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك المشاركة في صناعة القرار. ومع أن الأردن كان من أوائل الدول التي شرَّعت قوانين تعترف بحقوقهم، إلا أن تمثيلهم في المجالس النيابية غير موجود، وبالنسبة للمجالس المحلية، لا يزال 

ضعيفًا بشكل يكاد لا يُذكر. 

هذا التمثيل الناقص يؤدي إلى غياب صوتهم عند صياغة التشريعات وتقرير الأولويات التي تؤثر على حياتهم اليومية، مما يكرس فجوة بين احتياجاتهم الحقيقية والسياسات العامة.

وحتى نكون منصفين، يجب ألا نغفل عن وجود من يمثل الأشخاص ذوي الإعاقة في مجلس الأعيان الأردني (مجلس الملك)، كرسالة ملهمة تعكس حكمة جلالة الملك القائد الانسان التي كانت سباقة في تحقيق الدمج والشمولية والانخراط السياسي والاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة.

ويأتي اختيار الأردن شريكًا في استضافة القمة العالمية للإعاقة 2025، برئاسة جلالة الملك عبدالله الثاني، تأكيدًا على الجهود المستمرة التي يبذلها الأردن بقيادة جلالة الملك و سمو ولي العهد الأمير حسين في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم في المجتمع.

ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في ترجمة هذه الرسالة من قبل الحكومات والمشرعين إلى واقع عملي يتجسد في القوانين والسياسات التي تكفل لهم حقوقًا متساوية وفرصًا حقيقية للمشاركة في الحياة السياسية.

هنا تظهر أهمية مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي. إن هذه المبادرة لا تمثل فقط فرصة لإعادة النظر في آليات التمثيل المحلي، بل تشكل أيضًا اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وإشراك كافة شرائح المجتمع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة. إن النصوص التي تضمن تمثيل هذه الشريحة في المجالس المحلية ليست مجرد إضافات تشريعية، بل هي خطوات جوهرية نحو تحقيق مجتمع متوازن وشامل.

إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في مؤسسات صناعة القرار ليس مجرد شعار بل هو حق أساسي. هذه الشراكة تعود بالفائدة على الجميع، حيث تضيف تنوعًا للرؤى وتسهم في إيجاد حلول شاملة للتحديات المجتمعية. فالأشخاص ذوو الإعاقة يحملون خبرات حياتية ومعرفية تمكنهم من تقديم مساهمات مميزة لصنع القرار. ورغم ذلك، لا تزال العديد من القوانين قاصرة عن تحقيق التمثيل العادل للأشخاص ذوي الإعاقة، إذ تُصاغ غالبًا دون إشراكهم بشكل حقيقي.

وفي الإشارة إلى الحوار الوطني الشامل الذي يهدف إلى صياغة قانون الإدارة المحلية الجديد يجب أن تتجاوز كونها إعلانًا إعلاميًا إلى الالتزام العملي بإحداث تغيير ملموس. إن تضمين تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا القانون ليس مجرد خطوة رمزية، بل ضرورة لضمان أن تكون السياسات المستقبلية أكثر شمولاً وعدالة. على سبيل المثال، يمكن تخصيص نسبة محددة من المقاعد في المجالس المحلية للأشخاص ذوي الإعاقة، مع توفير الدعم اللازم لهم للمشاركة الفاعلة.

إن تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة الفاعلة في العمل التشريعي ليس رفاهية، بل ضرورة لبناء مجتمع عادل ومتوازن. ومن خلال إصلاح القوانين، تهيئة البيئات الداعمة، وتغيير الصورة النمطية السلبية، يمكننا أن نضمن لهم مكانًا على طاولة صنع القرار، بما يسهم في تحقيق تطلعاتهم وتعزيز تطور المجتمع ككل.

 إن نجاح هذه الخطوة في قانون الإدارة المحلية سيكون بمثابة نموذج يُحتذى به عند مناقشة قوانين أخرى، مثل قانون الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية، لتكتمل بذلك صورة العدالة الاجتماعية التي ننشدها.

 

 

الثلاثاء، 21 يناير 2025


بقلم: موسى الدردساوي mdardasawi@yahoo.com 

في عالَم الإدارة، يبرز صراع أزلي بين مدرستين فكريتين تتنافسان على تحقيق الأفضلية في قيادة المؤسسات. الأولى تتبنى سياسة "الأبواب المغلقة"، حيث ينأى المسؤول بنفسه عن الانغماس في تفاصيل العمل اليومي، مكتفيًا بالظهور عند وقوع أزمات جسيمة تتطلب تدخله المباشر. والثانية تدعو إلى سياسة "الأبواب المفتوحة"، حيث يكون المسؤول حاضرًا دومًا، يصغي لهموم المواطنين والموظفين، ويتابع حتى أدق المشكلات.

لكن بين النظري والتطبيقي، تكمن المشكلة. في العديد من المؤسسات، تبدو سياسة الأبواب المفتوحة وكأنها واجهة دعائية لا أكثر. تُعلن على لوحات الإعلانات عن مواعيد محددة لاستقبال المواطنين، لكن هذه اللقاءات سرعان ما تتحول إلى روتين ممل، أو يتم تفويضها تدريجيًا إلى مدير المكتب أو السكرتارية. ومع الوقت، يجد المسؤول نفسه غارقًا في أعذار وحجج واهية لتجنب هذه اللقاءات تمامًا، مفضلًا التراجع خلف مكتبه، بعيدًا عن أعين الناس ومشاكلهم.

الغريب أن معظم القضايا التي يُفترض أن تُطرح في هذه اللقاءات ليست معضلات مستحيلة. حفرة في شارع، انقطاع في الكهرباء، أو خط هاتف معطل. قضايا تبدو بسيطة للغاية، لكنها مع مرور الوقت وإهمال الحل تتحول إلى مشاكل أكبر تُثقل كاهل الجميع. حفرة صغيرة لا يتم إصلاحها في الوقت المناسب قد تؤدي إلى تخريب شارع بأكمله. انقطاع مؤقت في الكهرباء قد يصبح عائقًا كبيرًا يترك حيًا بأكمله في ظلام دامس.

المسؤول الذي يبدأ رحلته الإدارية بحماس ونية صادقة لإحداث تغيير حقيقي يجد نفسه في مواجهة جبل متراكم من المشكلات. كل قضية مؤجلة تضاعف الضغط، وكل وعد غير محقق يُنقص من رصيد الثقة بينه وبين الناس. وبينما يتراجع المسؤول خطوة بعد خطوة، تتسع الفجوة بين الإدارة والمواطن، ليصبح الحل بعيد المنال.

إن التحدي الحقيقي لا يكمن في اختيار سياسة الأبواب المفتوحة أو المغلقة، بل في القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة، مدعومة بإرادة صادقة وعمل جاد. المطلوب ليس فقط التواصل مع الناس، بل تحويل هذا التواصل إلى أفعال ملموسة. كل مشكلة تُحلّ في حينها هي خطوة نحو تقليص جبل الأزمات، وكل وعد يُنفّذ يعيد بناء جسور الثقة.

الإدارة ليست مجرد شعارات أو سياسات تُعلن على الورق. هي فن التوازن بين الاستماع والتحرك، بين التحليل والتنفيذ. عندما تغيب الإرادة الحقيقية، يصبح كل شيء، سواء كان باب المكتب مفتوحًا أم مغلقًا، عديم الجدوى. المسؤول القوي هو من يدرك أن المشكلة الصغيرة اليوم هي فرصة لتجنب كارثة الغد، وأن الحلول تبدأ بخطوة صغيرة لكنها ثابتة نحو التغيير الحقيقي.


الاثنين، 20 يناير 2025

عندما يُساء فهم غضب الشارع الأردني… الحقيقة أعمق

بقلم: موسى الدردساوي
mdardasawi@yahoo.com 

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين جدلًا واسعًا عقب تصريحات القيادي في حركة حماس، خليل الحية، التي غيبت الدور الأردني في الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة. هذا الجدل أشعل مشاعر الغضب في الشارع الأردني، ودفعت بعض الأصوات على المنصات الرقمية إلى محاولة تشويه هذا الغضب، واعتباره منة على الأشقاء الفلسطينيين، وهو ما يعكس قراءة مغلوطة لموقف الشعب الأردني الذي طالما كان سندًا لفلسطين.

ما عبّر عنه الأردنيون لم يكن رغبة في الانتقاص من القضية الفلسطينية أو الادعاء بفضل أو منة، بل هو شعور بالخذلان إزاء تهميش واضح لدولة بذلت كل إمكانياتها السياسية والدبلوماسية نصرةً لفلسطين.
فلا يمكن اختزال دور الأردن في القضية الفلسطينية في إطار ضيق كالمساعدات الإنسانية، رغم أهميتها الكبيرة. فقد كانت المملكة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، في مقدمة التحركات الدولية والإقليمية الساعية إلى إنهاء العدوان على غزة وإيقاف نزيف الدم الفلسطيني.

الأردن ليس مجرد دولة تقدم المساعدات، بل هو صوت سياسي فاعل ومؤثر، يدرك أن العدالة لا تتحقق فقط بوقف إطلاق النار، بل بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة. هذا الدور الأردني ينبع من ثوابت تاريخية وقومية، وليس من اعتبارات سياسية ضيقة أو مكاسب إعلامية كما يدعي البعض.

لقد قاد جلالة الملك عبدالله الثاني جهودًا حثيثة على المستويين الدولي والإقليمي، حيث مثل صوت الفلسطينيين في المحافل العالمية، محذرًا من تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة ومؤكدًا ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل.

وفي مختصر الكلام إلى من يحاول التشكيك أو الانتقاص من الدور الأردني: العلاقة بين الأردن وفلسطين أعمق من التصريحات العابرة. إنها علاقة دم ومصير مشترك، قائمة على تاريخ طويل من التضحية والإسناد. لا ينتظر الأردن شكرًا أو اعترافًا، ولكنه لا يقبل التهميش أو التقليل من دوره الريادي.

سيبقى الأردن، ملكًا وقيادةً وشعبًا، في طليعة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، يعمل بحكمة وثبات لتحقيق السلام الذي يعيد الحقوق لأصحابها وينهي معاناة الشعب الفلسطيني. هذه رسالة الأردن التي لن تغيرها الأقاويل أو محاولات التشويه.

الخميس، 16 يناير 2025

الأردن ودعمه لغزة: الحقيقة التي لا يمكن إنكارها

بقلم: موسى الدردساوي

mdardasawi@yahoo.com


لطالما كان الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، في مقدمة المدافعين عن القضية الفلسطينية، ليس بالكلمات فحسب، بل بالأفعال التي تُثبت انتماءنا الأصيل لهذه الأرض التي تعيش في وجداننا. ومع اشتداد العدوان على غزة، كان من الطبيعي أن يتحرك الأردن سريعًا، مدفوعًا بمسؤولياته التاريخية والإنسانية تجاه الأشقاء في فلسطين، رغم أن الكثيرين فضلوا الصمت أو حتى الانحياز إلى حساباتهم السياسية الخاصة.

 

عندما بدأت الطائرات تقصف منازل المدنيين في غزة، وعندما تكدست الجثث في الشوارع والمستشفيات، لم يكن الأردن متفرجًا. تحركت قيادتنا بكل ما تملك من تأثير سياسي ودبلوماسي. جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي لطالما عُرف بمواقفه الثابتة، لم يدخر جهدًا في طرق أبواب العالم للضغط من أجل وقف العدوان وإغاثة المحاصرين.

 

وعلى الأرض، كنّا نرى قوافل المساعدات الأردنية تعبر إلى غزة محملة بالغذاء والدواء، رغم الصعوبات التي فرضتها السياسات على المعابر. في وقت كان فيه معبر رفح مغلقًا لأيام طويلة، ورغم أن غزة كانت تختنق تحت الحصار، كان الأردن يواصل جهوده لإيجاد منافذ أخرى لإيصال المساعدات.

 

لا أنكر أنني شعرت بغصة عندما سمعت تصريحات من بعض قيادات حركة حماس تُشيد بدور وسطاء آخرين، متجاهلة تمامًا الدور الأردني. هذا التجاهل كان مؤلمًا، خاصة ونحن نعلم جيدًا أن الأردن لم يتوانَ يومًا عن دعم الفلسطينيين، حتى في أحلك الظروف. والأكثر إيلامًا أن هؤلاء الذين تجاهلونا يعلمون جيدًا من أغلق المعابر ومن استخدمها كورقة ضغط، ويعلمون أيضًا من احتضنهم يومًا وأخرجهم لاحقًا عندما تغيرت المصالح.

 

ومع ذلك، الأردن لم يعمل يومًا ليحصل على الإشادة. نحن نقوم بواجبنا تجاه غزة لأننا نؤمن بالحق والعدالة، ولأن فلسطين جزء من هويتنا. لكن تجاهل جهودنا، وكأنها لم تكن، أمر يستحق التوقف.

 

أقول هذا لأنني شاهدت بنفسي كيف كان الأردن يتحرك، وكيف كان جلالة الملك يقود الجهود الدولية لإنهاء معاناة أهل غزة، في وقت كان فيه العالم منشغلًا بمصالحه الخاصة. كنا وما زلنا في الصفوف الأولى، ليس بحثًا عن اعتراف أو شكر، ولكن لأننا نؤمن أن الوقوف مع فلسطين هو واجب لا يحتمل المساومة.

 

ختامًا، أقول لمن اختار إنكار دورنا أو تجاهله:

الحقيقة لا تُخفى. الأردن لم يتخلَّ يومًا عن القضية الفلسطينية، وسيبقى صوتًا للحق مهما كان الصمت من حوله مدويًا. ونحن، كأردنيين، سنبقى ندعم فلسطين بكل ما نملك، قيادةً وشعبًا، لأننا نؤمن أن التاريخ سيحفظ مواقف من اختاروا الوقوف إلى جانب الحق، وسيكشف في الوقت ذاته من تاجروا بالمعاناة لتحقيق مكاسبهم.