ما زلنا على قيد الحياة

الأحد، 11 ديسمبر 2011

رأيت الإرادة.. بأم عيني

   علا ابو هليل 

طوال سني عمري وأنا أسمع وأعرف أن الإرادة شيء معنوي لا يمكن له أن يتجسد. واعرف أيضا أنها القوة والعزيمة.. فمثلا أن ترى طبقا من "البقلاوة" دون أن تأكل منه إلا حبة واحدة حفاظا على الصحة هذه بالنسبة لي إرادة. أو أن تصاب بمرض ما وبإرادتك القوية تتمكن من الشفاء بسرعة لأنك تريد ذلك. أو أن تواجهك الصعاب ومع ذلك تتمكن من مجابهتها دون ان تذرف دمعة واحدة. هذا ما كنت اعتقده إلى أن جاء اليوم الذي التقيت فيه بالإرادة وجها لوجه حتى أني صافحتها وتعرفت عليها - أقسم إني مستيقظة لا احلم - نعم رأيتها بأم عيني وتجسدت لي على هيئة إنسانة.. فتاة في مقتبل العمر من ذوي الاحتياجات الخاصة.. تعاني من إعاقة حركية شديدة.. عزمت أن تثبت للجميع أن ذوي الاحتياجات الخاصة أناس مميزون وقدراتهم فعلا خاصة.. تأهلت وتدربت على مهارات عديدة أكاديمية ومعرفية.. تسلحت بهذه الأسلحة وبدأت تطرق الأبواب بحثا عن عمل يؤمن لها قوتها.. مئات الأبواب أغلقت في وجهها وّردت ومع ذلك لم تيأس.. أستهين بقدراتها وإمكانياتها بسبب إعاقتها.. وأيضا لم يتمكن اليأس من التسلل الى قلبها.. وجاء يوم تحقيق حلمها.. يوم عملها الأول تجهزت وتألقت وكأنها عروس في ليلة زفافها.. هي التي حملت الإرادة وذهبت وإياها الى العمل الجديد.. وتم تعيينها في مكان مناسب طابق ارضي وجلست تنتظر أن تؤّكل اليها المهام لكي تنفذ ما جاءت من أجله.. انتظرت اليوم الأول.. فالثاني.. فالعاشر ولكن دون جدوى.. اكتشفت أنه تم تعيينها شفقة عليها وهو أكثر شيء يثير غضبها.. لماذا الشفقة ما دامت تقدر.. ذهبت الى مسئول المكان وأخبرته أنها تريد ان تشعر بكيانها وتريد ان تفرغ الطاقة الايجابية التي تملا جسدها الضئيل.. ببساطة تريد أن تنجز وان "تحلل قرشها".
دون فائدة بقي حالها كما هو عليه.. بعد ذلك تأكدت ان الطابق الأرضي هو مكان لخزن الأثاث.. وان جميع الوظائف والمهام الرئيسية مكانها في الطوابق الأعلى.. صممت وعزمت أن تنتقل الى هناك.. برغم العوائق التي وقفت أمامها لا يوجد مصعد ولا حتى مكان خاص لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة في مكان عملها. للمرة الألف تجسدت الإرادة على هيئتها على هيئة هذه الفتاة "القوية" التي اعجز عن وصف عزيمتها حتى قلمي عجز أيضا من أن يخط نفسه على الورق ويكمل.. نعم لأنها وصلت الى هدفها واستعانت بيديها وركبها.. لأن قدماها لن تصلان الى الأرض.. ولكن الأرض من تحتها صامدة وثابتة أمام قوة عزيمتها.. يوميا تستخدم يديها للوصول الى عملها.. يوميا تكبر في نظرنا.. نحن من تصل أقدامنا الى الأرض ونستخدمهما.. ولكن
.